محسن غريب: إذا وجد الشغف وجد الفن

ملحق الخليج الثقافي

تاريخ النشر: 18/04/2016

 

مسقط: «الخليج»:
فنان تشكيلي بحريني بدأ مشواره من خلال الخط العربي وبرع في تقديم أعمال مميزة، ليتقن بعدها فن النحت والفن التركيبي ويحقق من خلال ذلك كله خلطة سحرية، أنتجت أعمالا مطعمة بكل هذه الفنون، فوظف الحرف العربي من خلال استخدامه كقوالب جاهزة في لوحات فنية جميلة. كما برز من خلال إعادة تدوير مخلفات الخشب والبلاستيك والحديد وغيرها من الخامات لرسم أسلوبه الفريد..
فيما يلي حوار مع محسن غريب حول تجربته الفنية:

- محسن غريب اسم معروف وله مكانته، ما الذي أثر في تكوينك الفني وكيف كانت البدايات؟

قبل أكثر من ثلاثين عاماً كنت طفلاً صغيراً، لفت انتباهي الخط العربي أثناء قراءتي للقرآن الكريم، وفي تلك الأيام لم يكن هنالك حاسبات آلية، وكانت الإعلانات تكتب دائما بخط اليد، وبقيت لفترة طويلة أطالع الجرائد والإعلانات التجارية وبجهد شخصي مني تحول هذا الاهتمام إلى شغف جعلني الفنان الذي أنا عليه اليوم، أستطيع أن أقول عن نفسي «إنني فنان عصامي لم أدرس بأي كلية أو جامعة، عندي شهادة ثانوية، وأعتز بهذا الشيء، وجهودي الشخصية هي من قادتني لأن أتقن الحرف العربي».

- تعيد تدوير الأشياء للخروج بأعمال فنية جميلة أساسها الحرف العربي؟

ليس لي باع طويل بإعادة التدوير، لكن أحب أن أوظف بعض القطع التي يعتقد الناس أنها ليست ذات فائدة في إنتاج أعمال فنية فريدة حيث أستخدم خامات مثل مخلفات الأوراق والحديد والبلاستيك والخشب ولحاء الأشجار وخامات أخرى عديدة وأوظفها في أعمالي الفنية

- قدمت مؤخراً ورشة في الخط العربي في مسقط.. حدثنا عن مضمونها؟

الورشة كانت متخصصة في الحروفيات وكان هدفي هو تعليم المتدربين كيفية استخدام الحرف العربي في العمل الفني وكيفية إبراز جماليته وهندسته وتوظيفه في العمل الفني تشكيلياً، وليس بالطريقة الكلاسيكية المعهودة، فلم يكن هدفي تعليمهم كيف يخطون الحرف العربي، وإنما أحضرت لهم الحرف كقوالب جاهزة، وعلمتهم كيفية استخدام هذه القوالب في العمل التشكيلي من خلال إعادة التدوير واستخدامه مع مفردات جميلة من البيئة كأوراق الأشجار مثلا، والخشب على الطرقات وغيرها من مخلفات، فالخامات التي يمكن استخدامها، هي واسعة جداً، لا بل تكاد تكون بلا حدود وذلك متروك لرؤية الفنان لعمله الفني.


أريد أن أقول «إن الحرف العربي جميل بحد ذاته، ويمكن إضافة مفردات وأشياء بسيطة معه فيصبح عملاً فنياً مميزاً».

 

- أسلوبك الفني إذا يضم النحت والديكور بجانب الخط، كيف توظف كل هذه الجوانب معاً؟

أحياناً وجود خليط من عدة فنون ينتج فناً مميزاً ومغايراً، لأنه إذا كنت خطاطاً ولدي موهبة في فن النحت وكنت أجيد الرسم كذلك، فسأصنع مزيجاً جميلاً من هذه الأمور كلها، وأنا وظفت الحرف العربي بشكل ثلاثي الأبعاد، وأدخلته إلى مجال الديكور واستخدمت النحت كذلك في أعمالي، وهذا ساعدني أن أنتج فناً مغايراً عن الآخرين، وهو ما ميزني.

- ربما نظرتك أكثر حداثة للحرف العربي، هنالك فئة كبيرة مازالت تنظر له نظرة تقليدية؟

نعم، صحيح، لديهم تلك النظرة الكلاسيكية التي ترى الحرف على أنه حبر على الورق. بالنسبة لي لا تعنيني تلك النظرة وأنا خارج هذه الدائرة، وأؤكد أن لا أحد يمتلك الحرف العربي، وهو ذو أفق كبير واسع، ومن الممكن توظيفه في مجالات كثيرة، وحتى الأوروبيين اختبروا جمال الخط العربي ورأوا فيه فناً رائعاً.. هم لا يعرفون قراءته ولكنهم شعروا وتذوقوا هندسته وجماله وأعتقد أنه علينا أن نفهم هذه الناحية حتى نخرج من الإطار التقليدي لكيفية استخدام الحرف العربي في الأعمال الفنية.

وهنالك أسماء عديدة لفنانين سبقونا بالساحة الفنية ونجحوا بتوظيف الخط العربي بشكل جميل جداً. حتى أصبحت للخط العربي مدرسة خاصة له هي المدرسة الحروفية، وأصبحت الحروف العربية منتشرة على الطائرات والسيارات ودخلت مجال الإنشاءات ووجدت طريقها إلى المباني الكبيرة التي بات بعضها يحمل منحوتات كبيرة للحروف العربية. إذا الحرف أوالخط العربي دخل مرحلة الحداثة وتأثر بالتكنولوجيا وخرج عن الإطار التقليدي.

- من خلال مشاركاتك الفنية في الوطن العربي، كيف لمست مدى الاهتمام بالخط العربي؟

للأسف الشديد، لا يوجد اهتمام بالخط العربي، في بعض الدول العربية، هناك تقصير كبير، غير أن الأمر يتباين من دولة إلى أخرى.

أعتقد أن الاهتمام اليوم بالخط العربي، هو اهتمام شعبي فقط، من قبل الشباب ومن يحبون الخط، هؤلاء هم من يعنون بتجويد فن الخط، وإبراز جمالياته، وأنا أرى أن الخط هو موروث ثقافي كبير، ومن أسسوا الخط وطوروه، تعبوا واجتهدوا وكانوا عباقرة، ومن مسؤوليتنا وواجبنا أن نحافظ على هذا التراث الفني الأصيل، وأن ننقله للأجيال اللاحقة، فهو لغة القرآن والحديث، ولا أعتقد أن هناك لغة، برعت في استخدامات حروفها كما هو حاصل في الحرف العربي، وهذا ليس تعصبا، لأن هندسة الحروف العربية وجمالها وروحانياتها واضحة للجميع. وأتمنى أن نشهد في المستقبل اهتماماً أكبر بالخط من خلال المناهج الدراسية ومن قبل المؤسسات الحكومية.
بالنسبة لسلطنة عُمان أعتقد أن الشعب العماني عنده تاريخ كبير، وهو يمتلك كل الجماليات والمقدمات وكل العوامل المساعدة ليحب الفن والجمال، فلدينا الجبال والبحر والخضرة، أعتقد أننا نحتاج فقط إلى قليل من الاهتمام والتركيز، وهم شعب يحب الفن فبعض الشباب الذين شاركوا في الدورة قطعوا مسافة 300 كيلومتر ليحضروا ويتعلموا وهذا يعني أن الحب والشغف موجودان ولكن يبقى هناك الحاجة إلى مزيد من الاهتمام.

- كيف أثرت البرامج الرقمية اليوم في الحرف العربي، هل تستطيع التعويض عن عمل الفنان؟

الفنانون اليوم، والأطباء، والعمال في مجالات أخرى عديدة، يستفيدون من موضوع الحداثة والتكنولوجيا، مع مراعاة معايير الجمال، فأنا كخطاط من الممكن أن أوظف الآلة في استنباط وتنفيذ أعمال جديدة، وأن أطور من حرفتي، وهذا شيء جيد، فالتكنولوجيا ليست مدمرة، وليست هي مجال سلبي، من المهم أن يكون الفنان قادرا على توظيفها التوظيف الصحيح.

- حدثنا عن آخر معارضك في مسقط «عشق آخر»

«عشق آخر» ضم أربعين عملا متفاوتة الأحجام، وهو يتكلم عن الجانب الروحي للجمال، فهنا أنت أمام عشق مختلف فيه من الشفافية بقدر ما فيه من الوله والوجد، لقد وظفت الحرف العربي، وركزت على حروف العين والشين والقاف، وهي حروف العشق.

وحاولت أن أدخل فيه ألواناً صريحة أحياناً وغامضة في أحيان أخرى، وداكنة في بعضها، وجاءت الأعمال كلها على الكانفس والورق، واستخدمت عدة تكنيكات، عبر استخدام ألوان الاكريليك والحبر الأسود مع مادة الجسو. أيضا كانت هناك أعمال تنتمي للميكس ميديا، مع توظيف خامات عدة مثل أوراق الجرائد، الخشب، المسامير، وكل ما يعطي إضافة وجمال للقطعة.. في الميكس ميديا لا يوجد حدود لمخيلة الفنان، وما يهم دائماً هو إنتاج عمل منسجم مع روح الفنان وقلقه.

- ماذا عن مكانة ومستوى الحركة الفنية في مملكة البحرين؟

البحرين هي بلد تايلوس وارادوس، وأتكلم عن 3000 سنة قبل الميلاد، وهي بلد الأختام الدلمونية، نحن لدينا تاريخ وحضارة وموروث علمي وثقافي كبير، وأعتقد أن عدد فناني البحرين نسبة إلى عدد السكان فيها هو كبير بكل المقاييس، وفنانوها مميزون على الساحة الخليجية.

- ما هي نصائحك للشباب الذين يقبلون اليوم بشغف على تعلم فن الحروفيات؟

الفن عالم كبير كأنه بحر، يحتاج أن نصل لقاعه، لنخرج المرجان واللؤلؤ، هو ليس موضوعاً سهلاً، ولا مستحيلاً، لكنه يحتاج إلى الصبر والأناة، وإذا وجد الشغف والعشق والحب، فإن أي موهوب سيصبح فناناً ناجحاً، ولكن يجب أن يكون الفن همه اليومي، وأن يعيش ويتنفس ويعشق الفن.

 


جميع الحقوق محفوظة للموقع الرسمي للفنان محسن غريب © 2024